لطلاب ماجستير الساميات في جامعة حلب 2010 - 2011
أهلاً بكم في هذا المنتدى الفاشل

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

لطلاب ماجستير الساميات في جامعة حلب 2010 - 2011
أهلاً بكم في هذا المنتدى الفاشل
لطلاب ماجستير الساميات في جامعة حلب 2010 - 2011
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نشوء الكتابة في المشرق العربي القديم د. بشار خليف

اذهب الى الأسفل

نشوء الكتابة في المشرق العربي القديم د. بشار خليف Empty نشوء الكتابة في المشرق العربي القديم د. بشار خليف

مُساهمة من طرف محمد مرجى حريري الجمعة 24 ديسمبر 2010 - 18:29

نشوء الكتابة في المشرق العربي القديم د. بشار خليف

اختراع الكتابة في المشرق العربي القديم


لا نعتقد أنه بإمكاننا البحث في تطور المجتمع البشري، دون دراسة تطور علم الكتابة الذي شكل مفصلاً هاماً من مفاصل تطور الإنسان الفكري والعقلي. ما أدى إلى إحداث طفرة حضارية سوف تنعكس على آلية التطور الإنساني ليصل إلى عصر الثورة الصناعية وعصر المعلومات.


فاختراع الكتابة أدى إلى توثيق العالم الشفهي، لا بل تطويره، عبر تحريك الكلام من العالم السمعي الشفاهي إلى عالم حسي جديد هو عالم الرؤية، بما أدى إلى حدوث تحول وانعطاف كبير في آلية التفكير والكلام معاً.


فالعالم والتر. ج. أونج يعتبر اختراع الكتابة من أخطر الاختراعات البشرية التكنولوجية(1)، لا بل يمكننا القول أيضاً أن لا تاريخ لمجتمع بلا كتابة.


وللإضاءة على أهمية الاختراع هذا، لابد من الإشارة إلى حادثة أوردها هيرودوت، جرت في الألف الأول قبل الميلاد في مجتمع لا يعرف الكتابة بعد، فقد روى هيرودوت أنه عندما اقتحم ملك الفرس داريوس بجيوشه بلاد الأسقوثيين الواقعة في سهوب أوكرانيا الحالية، بعث إليه الأسقوثيون رسالة تحتوي على طير وفأر وضفدعة وخمسة سهام، وحين استمزج الملك آراء مستشاريه، كان رأيهم أن الأسقوثيين يقصدون الحرب. فقد فهموا الرموز، أنه إذا لم تختفوا في السماء كالطيور أو تتواروا في الأرض كالفئران أو تختبئوا في الماء كالضفادع فإن الموت بانتظاركم.


ولكن كان للملك الفارسي، قراءة أخرى لهذه الرموز، حيث فسّر الرسالة بأنها تقصد أن الأسقوثيين يضعون أنفسهم تحت سلطة الملك الفارسي، ويقدمون له السماء والأرض والماء وقد تخلوا عن المقاومة.


ويبدو أن قناعة الملك برأيه أودت بجيشه إلى المهالك.


بناءً عليه يمكننا بعد هذا أن نحدد أهمية اختراع الكتابة بأبعادها الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، العلمية والأدبية.


اختراع الكتابة:


لا نعتقد أنه ثمة إطلاق في مناقشة مسألة اختراع الكتابة. فالمعطيات الآثارية ما زالت تمدنا بالجديد الذي يلغي النتائج السابقة. لا سيما وأن المواقع الأثرية في المشرق العربي غزيرة جداً، وبالتالي فإن ما سنناقشه يأخذ بعين الاعتبار ما وصلت إليه المكتشفات الأثرية في هذا المجال حتى الآن.


وهنا ينبغي أن نؤكد على عدة حقائق حين مناقشة هذه المسألة:


أولها: أن هناك الكثير من المجتمعات عرفت الكتابة ولكن الذي يعنينا في هذا المجال هو الكتابة ذات الشمول الإنساني، والتي جاء اختراعها كحاجة مجتمعية أولاً ثم إنسانية عامة، انعكست على تطور المجتمعات البشرية إيجاباً، ومن ثم أدت إلى ابتكار الأبجدية التي غيرت وجه التاريخ البشري.


ثانيها: في مناقشة هذه المسألة تتداخل الجغرافية السياسية للمشرق العربي مع الجغرافية التاريخية، فالتفاعل المادي الروحي بين مدن المشرق العربي القديم في دورةحياة واحدة، أكدته المعطيات الأثرية وبالتالي فإن حديثنا عن اختراع الكتابة وفق الجغرافية السياسية الحالية لا ينفي التفاعل بين مراكز الحضارة في المشرق العربي القديم. (2)


ثالثها: أن ثمة سلسلة حضارية واحدة أدت إلى ابتكار الأبجدية الكنعانية.. وهذه السلسلة تبدأ من أولى محاولات الكتابة مروراً بالكتابة التصويرية ثم الرمزية ثم المقطعية إلى الأبجدية.


وهذه السلسلة المتواصلة هي انعكاس للتواصل الحضاري المجتمعي للمشرق العربي القديم.


مراحل اختراع الكتابة في المشرق العربي القديم:


هناك عدة عوامل أدت إلى اختراع الكتابة منها:


1ـــ ان بوادر التحول من حية الصيد والتقاط الثمار إلى بواكير الزراعة، والرعي كان له دور حاسم في نشوء الكتابة، وبذا يمكننا القول أن ابتكار الكتابة كان انعكاساً لتطور وانتقال حالة التجمعات البشرية الصغيرة من الصيد إلى الزراعة والرعي وبالتالي فهو انعكاس للتطور الاقتصادي الاجتماعي.


2ـــ إن نمو التجارة الفردية أولاً /وقد تكون في طور الصيد/ ثم ثانياً في نطاق تبادل السلع والمنتجات أدت إلى ابتكار الكتابة عبر العدّ والأرقام ومن ثم نمو التجارة بين التجمعات الصغيرة.


3ـــ إن اختراع الكتابة انبثق من الأرقام والعدّ، فالكتابة كانت بمثابة الجنين في رحم الرياضيات البسيطة، وبذا نستطيع أن نتابع مراحل الكتابة في سورية.


فقد توصلت الباحثة الأميركية دينيزا شماندت بيسيرا في أواخر السبعينات من القرن العشرين إلى نظرية تعيد نشوء بواكير الكتابة إلى حوالي 8000 عام قبل الميلاد.


وأوردت الباحثة أن تاريخ الكتابة الذي يمتد خمسة آلاف عام من الآن، سبقته فترة تمهيدية لا يقل طولها عن طول هذا التاريخ، وذلك عبر استخدام الإنسان في المشرق العربي لنوع من الفيّش تأخذ أشكالاً مختلفة، ويشير كل منها إلى سلعة ما.


واستطاعت أن تحدد نحو 15 نموذجاً، ولوحظ أن ثمة أخاديد وتجاويف أنجزت بالعصا وبعض الفيش تحتوي على ثقوب، وتعتقد الباحثة أن لكل شكل معناه كما أن لكل إشارة مغزاها.(3)


صنعت هذه الفيش من الطين، ومن ثم كانت تشوى على النار، وهي ذات أشكال هندسية صغيرة، (3.1) سم وثمة أشكال كروية ومخروطية واسطوانية وقرصية وهرمية ثلاثية السطوح.


وقد عثر في سورية على هذه الفيش في تل أسود وتل مريبط ويعود تأريخها إلى النصف الأول من الألف الثامن قبل الميلاد وفي الألف السابع انتشرت في جميع مناطق المشرق العربي.


وتلاحظ الباحثة أن التشابه بين هذه الفيش كان كبيراً، رغم أن ما يفصل بين المواقع يتعدى آلاف الكيلو مترات. ما يدل ربما على علاقات بين مختلف المواقع الشرقية آنذاك.


وتتوصل الباحثة بيسيرا وفق ذلك إلى عدة نتائج:


أولاً: إن نظام الفيش الحسابية شكل مرحلة تمهيدية خاصة لظهور الكتابة.


ثانياً: إن تاريخ الرياضيات يعود إلى بواكير هذه الأنظمة الحسابية البسيطة.


ثالثاً: استمر العمل بهذا النظام (الفيش) حتى ظهور الكتابة التصويرية في حوالي نهاية الألف الرابع قبل الميلاد.


وبذا يكون اختراع الفيش تم في حوالي 8000 قبل الميلاد ولا سيما الفيش ذات الثلاثة أبعاد.


وفي حوالي 3300 قبل الميلاد ظهرت مغلفات تحوي بداخلها على فيش ذات بصمات. وفي حوالي 3300 ـــ 3200 قبل الميلاد ظهرت اللوحات الأولى ذات البصمات إلى أن تم ظهور الكتابة التصويرية في حوالي 3200 قبل الميلاد.





مكتشفات جديدة في سورية تقلب المفاهيم السائدة: الجرف الأحمر 9250 ق.م.


عام 1996 م كشفت التنقيبات الأثرية في موقع الجرف الأحمر على الفرات الأوسط، عن قطع صغيرة من البازلت محفور عليها وجوه حيوانية بسيطة، وخطوط مبهمة «ربما سوف تقلب معارف الفن والديانة والتواصل الإنساني عند فجر أزمنة العصر الحجري الحديث» على حد قول الباحثة دانييل ستوردور(4).


تعود هذه المنحوتات الحجرية للألف العاشر قبل الميلاد وقد عثر على منحوتات أخرى حجرية ذات نقوش تصويرية وتتضمن أعداداً. ان تجمّع الجرف الأحمر عبارة عن ضيعة صغيرة مؤلفة من خمسين بيتاً من الحجر وكان سكانها يعيشون في الفترة الواقعة بين 9250 ـــ 8750 ق. م، وهذه الفترة تتطابق مع استقرار المجتمعات الزراعية الأولى.


وفيما إذا ثبت علمياً أن ما تحتويه هذه المنحوتات يشكّل بوادر كتابة تصويرية، فإن كافة المعطيات السائدة سابقاً ستنقلب رأساً على عقب وسوف يرجع تاريخ الكتابة التصويرية إلى الألف العاشر قبل الميلاد عوضاً عن الألف الرابع قبل الميلاد وعلى هذا يؤكد ميشيل بروز وفيليب تالون:


«إن المحاولات الأولى لترجمة الفكر بالكتابة كانت في الجرف الأحمر في سورية وكان هذا في محيط الألف العاشر قبل الميلاد».


وبناء على هذا يحدد الباحثان أهمية هذا الأمر بالقول:


«ان المعلوماتية لم تكن لترى النور دون الكتابة وتطوراتها بما فيها علم الرياضيات، اننا نقتفي دائماً الطربق الذي فتحته لنا شعوب الشرق القديم وذلك منذ عشرة آلاف عام». (5)


الكتابة التصويرية:


يبدو أن إنسان سورية بقي يستخدم الفيش في العد مع ظهور بوادر لكتابات تصويرية سوف تتبلور في الألف الرابع قبل الميلاد.


تعتمد الكتابة التصويرية على تصوير الأشياء كما هي في حالتها الطبيعية.. فالصورة ليست الغاية بل الشيء الذي تمثله الصورة نفسها.


وحسب رأي العلماء فإن هذه الطريقة من الكتابة، هي التي فتحت الباب الواسع أمام الكتابة الحقيقية وقد عثر في سورية على ألواح من الطين غير المشوي، تحتوي على كتابات تصويرية في تل براك وفي موقع حبوبة كبيرة.


الكتابة الرمزية:


في هذه المرحلة تطورت الصورة المرسومة إلى رموز وإشارات مسمارية لا تعبرّ فقط عن المعاني الأصلية للصورة المرسومة بل عن أفكار ومعانٍ لها علاقة بالمعنى الأصلي للشيء المرسوم.


وقد اكتشفت في سورية منحوتات في حبوبة كبيرة وعارودة عليها خطوط ودوائر وأوعية فخارية وسنابل، وهي تدل على أعداد وكلمات، فالخطوط والدوائر تمثل الأعداد أما الرسومات كالأوعية والسنابل فتدل على كلمات. فالوعاء يشير إلى مادة سائلة والسنابل إلى النباتات، أما الخطوط فتشير إلى الأرقام. (6)


الكتابة المقطعية أو الصوتية:


في هذه المرحلة من تطور الكتابة أخذ كل رمز صوتاً معيناً، بغضّ النظر عن مدلوله الصوّري، وتؤرخ هذه المرحلة بحوالي 2800 قبل الميلاد.


ويبدو أن تطور الكتابة كان انعكاساً للتطور الاقتصادي الاجتماعي، في بنية مجتمع المدن آنذاك.


بالإضافة إلى نمو وتطور التفاعل التجاري بين المدن.


وفي سورية عثر على كتابات هذه المرحلة في تل براك وماري وإيبلا وتل البيدر.





إيبلا تطور الكتابة المسمارية:


لقد قدمت وثائق إيبلا الكتابية العائدة لحوالي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، معطيات جديدة في تطور الكتابة المسمارية، والذي يبدو أن أوغاريت في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد سوف تتسّلم تلك المعطيات وتنحو نحو ابتكار أبجدي.


يقول الدكتور عيد مرعي: استخدم الإبلائيون الكتابة المسمارية بشكل يتناسب مع خصائص لغتهم وصفاتهم. (7) وجاء في كتاب آثار الوطن العربي القديم:


إن ألواح إيبلا كتبت بالنظام الإشاري الكتابي السومري، فقد استخدم الأكاديون والإبلائيون النظام السومري، ثم أضاف الإبلائيون خصائص لغتهم إلى الإشارة المسمارية السومرية واستخدموا أصوات إشاراتها. وقد تبين من ذلك وجود بنية لغوية إيبلائية وبذلك فتح حقل جديد من الدراسات اللغوية. (Cool


ويذكر الدكتور نقولا زيادة دور إيبلا في تطور الكتابة المسمارية فيقول:


«طورت إيبلا الكتابة بحيث أنه بدل أن تكون مقطعية تامة وبدل أن تظل محلية في كل مدينة ســـومرية، جعلتها أقرب إلى استعمال الحرف من جهة وبذلك وضعتها من جـــهة أخرى على خط التطور حيث أصبحت في متناول العموريين وغيرهـــم حيث انتهى الأمر بها أن أصبحت حـــروف هجاء»(9).


الكتابة الأبجدية:


استمر الغليان المعرفي في سورية لجهة تطوير الكتابة.. إلى أن تمخض عن انعطافه ثانية حضارية، فالانعطافة الأولى في بداية اختراع الكتابة وهذا قد يؤسس في موقع الجرف الأحمر؟ حتى الآن.


أما الانعطاف الحضاري الثاني، فتم بعد ألف عام تقريباً من فاعلية إيبلا التطويرية للكتابة، ففي أوغاريت تمت الصياغة النهائية لتطور الكتابة المسمارية، فعبر الكتابة الأبجدية استطاع الإنسان تصوير كل صوت من أصوات اللغة برمزٍ خلق من أجله، فأصبح الرمز الكتابي يعكس صوتاً فرداً وصارت مجموعة الرموز تعكس كلمات بألفاظها وأصواتها كاملة.


وبذا صار بإمكان كل إنسان أن يكتب لغته كما يتكلمها ويسمعها وأن يقرأ ما كتب غيره من ذوي اللغات الأخرى. (10)


وبهذا نستطيع إدراك البعد الشمولي والإنساني في ابتكار الأبجدية.


انتشار الأبجدية السورية:


سلكت الأبجدية السورية ثلاثة اتجاهات نحو العالم، وهذا عبر تنامي التفاعل التجاري الاقتصادي في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد تقريباً.


وقد أدى ذلك إلى خلق أبجديات استندت على الفعل الأبجدي الحضاري الأوغاريتي...


فقد استطاعت «اللاتينية والسلافية» أن تصبحا وسيلتي الحضارة والتقدم الإنساني الوحيدتين في تاريخ البشرية المعاصر.


فالطريق الأول: هو بلاد اليونان: حيث أخذ الإغريق الأبجدية وطوروها كاملة عبر حروف العلة.


والطريق الثاني: كان باتجاه الهند والهند الصينية والجزر الأندونيسية حيث تولدت كتابات جديدة.


أما الطريق الثالث: فكان باتجاه آسية الداخلية عن طريق الأبجدية الآرامية (في الألف الأول قبل الميلاد) التي هي وليدة الأبجدية الكنعانية حيث وصلت إلى بلاد المغول ومنشورية. (11)


يقول العالم جاليلو جاليكي:


«في الأبجدية الكنعانية تحقق تصور لطريقة يمكن بها تأكيد التواصل الفكري بين البشر مهما تباعد المكان وعبر كل زمان، وهي طريقة تصلح للتحدث إلى الذين لم يولدوا بعد.. وإلى الذين سيولدون بعد ألف أو آلاف من السنين». (12)


أما المؤرخ أرنولد توينبي فيقول: «لقد أظهرت سورية قدرتها الوطنية على الخلق، فقد خطت خطواتها الأولى لاختراع أحرف الهجاء، وقد أصبحت هذه الآن بأشكالها المختلفة، كتابة العالم بأكمله، باستثناء آسيا الشرقية». (13)


أما العالم الفرنسي جورج تات فقد أضاف:


«إن التراب السوري يخبئ في أعماقه عدداً لا يستهان به من بين أهم فصول قصة الإنسان، من بدايات الاستقرار وبواكير الزراعة إلى نشوء الحواضر وتطورها إلى ازدهار الممالك... إلى خطوات الكتابة والأبجدية منها بنوع خاص». (14)


وبعد، هل نغالي إذا رددنا مع والتر ج. أونج من أن الكتابة غيرّت شكل الوعي الإنساني أكثر من أي اختراع آخر. لا بل أعادت بناءه. (15)


وقد استخدمت الكتابة المسمارية في كامل مدن المشرق العربي القديم، وكتبت اللغات السومرية، الأكادية، الايبلاوية، المارية (نسبة لمدينة ماري السورية)، الأوغاريتية، البابلية، العمورية، الآشورية، بالأحرف المسمارية، مع الأخذ بعين الاعتبار مجريات تطورها صعداً، مع الزمن وملاحظة بعض الخصوصية بين مدينة وأخرى.


كما استخدمتها شعوب أخرى لاتمت لشعب اللغات أو اللهجات المشرقية العربية، بصلة لغوية أو أثنية كالحثيين والعيلاميين والحوريين والأوراثيين.


المدن والمواقع السورية القديمة التي عثر فيها على رقم طينية:


حوت المواقع السورية التي تعود إلى الألف الثالث والثاني قبل الميلاد، على رقم طينية، تزيد على سبعين ألف رقيم /وذلك حتى الآن/. وتنبغي الاشارة إلى أن المدن الكبيرة، حوت على أرشيف ملكي يزيد في تعداد رقمه على عشرات الألوف، كمدن ايبلا وماري وأوغاريت وغيرها، ويعتقد العلماء بأن موقع مدينة قطنة، قرب حمص يعد بآلاف الرقم.


ولعل من أهم المواقع السورية التي عثر فيها على الرقم الطينية: ايبلا، أوغاريت، ماري، شوباط انليل، تل براك، تل البيدر، تل الفري،

تل حديدي، تل الشيخ حمد، تل حمام التركمان، تل البيعة، ممباقة، ابن هانئ وغيرها..


التراث الكتابي المشرقي ـــ اللغات / اللهجات المشرقية القديمة واللغة العربية:


يعود للألواح المسمارية المكتشفة، في كامل مدن المشرق العربي القديم، الفضل في الكشف عن نمط حباة وتفكير أجدادنا. وفي تقديم الدلالات الأولى لبداءة نشوء النظم الحياتية على اختلاف أنماطها، الاقتصادية والاجتماعية والذهنية والثقافية، والمعتقدية والقانونية وغيرها. ولعل هذا ما يدفعنا لوقفة في مجال اللغات المشرقية القديمة، لجهة علاقتها باللغة العربية.


وهذا الأمر مهم لأسباب عدة:


أولها: أنه شأن معرفي لغوي ـــ تاريخي، يهمنا للكشف عن جذور اللغة العربية.


ثانيها: أنه شأن يعنى بحقنا في تراثنا الكتابي والشفوي، لاسيما أن الدوائر الصهيونية، تسعى جاهدة لتشويه الحقائق التاريخية والعلمية، من أجل ايجاد مبرر تاريخي لوجود اسرائيلي مزعوم، في المنطقة العربية.(16)


ثالثها: تجمع كافة الدراسات اللغوية التاريخية، على وجود صلة عميقة ومستمرة، بين اللغات المشرقية القديمة واللغة العربية، (17). وسوف نستعرض هذا الأمر بشيئ من التفصيل:


ففي دراسته القيّمة، يتحدث الدكتور محمد بهجت قبيسي(18)، عن الوشائج المتينة بين اللغات / اللهجات المشرقية القديمة، واللغة العربية فيقول:


«تحوي اللغة العربية الفصحى، من الأكادية بفرعيها الآشوري والبابلي على 60% من مفرداتها. ومن الكنعانية على 94%، ومن الآرامية على 75%.».


في حين يؤكد الدكتور علي أبو عساف، على هذه الوشائج بالقول:


«نحن في العالم العربي، كغيرنا من الأمم، لانتكلم فقط بلغة عربية فصحى موحدة، بل لدينا لهجات نسميها عامية تعود في أصولها إلى تلك اللهجات القديمة الأكادية والكنعانية والآرامية.. وان اللغة العربية هي وريثة تلك اللهجات بكل ما في الكلمة من معنى.». (19)


وعلى نفس المنهج يقول الدكتور محمد محفل:


«إن لغاتنا القديمة يجب أن ندرسها، انطلاقاً من اللغة العربية، فاللغة العربية جاءت وجبّت ماقبلها واحتوت الأكادية والبابلية والآشورية والآرامية». (20)


لابل أن الدكتور فيصل عبد الله يؤكد «أن اللغة العربية كانت وماتزال المفتاح لفهم وترجمة النصوص الأكادية ولهجاتها». (21)


وعليه، فلا بأس من أن نستعرض بعض المفردات الايبلائية، والأكادية لتبيان درجة قرابتها للغة العربية، لابل وتطابقها في أحيان كثيرة:


الايبلائية:


أنثتوم = أنثى (بالعربية) ذكروم = ذكر حيوم = حي


شهروم = شهر مشطوم = مشط عينوم = عين


اصبعوم = إصبع بقروم = بقر وركوم = ورك


لقلقوم = لقلق يمينوم = يمين أخاتوم = أخت


بيتوم = بيت


وهناك مفردات كثيرة أخرى، يمكن لمن تهمه، أن يعود إلى كتاب «ايبلا» (22).


ولنتابع أيضاً بعض المفردات الأكادية، ونرى مدى قربها من العربية:


الأكادية:


قبرو = قبر /بالعربية/


أرصيتو شبليتو = أرض سفلية /العالم السفلي/


أرصيتو اليتو = أرض عليا /حيث يعيش البشر/


أرصيتو ميتوتي = أرض الأموات


خربو = خربة


دوموزي = تموز


خطيتو ـــ خطو = خطيئة


رابيستو = المتربص (23)


وثمة أيضاً الكثير من المفردات، التي توضح القرابة اللغوية والألسنية بين اللغات المشرقية القديمة واللغة العربية.


تراثنا الكتابي واللغوي بين الاستشراق ومحاولات التهويد:


من المعلوم أن الظروف السياسية، في المشرق العربي في القرن التاسع عشر ومن ثم في حوالي النصف الأول من القرن العشرين. لم تكن مؤاتية كي يقوم أبناء المشرق بعمليات المسح والكشف الأثري،


ما جعل العالم الغربي يتجه بنظره نحو المشرق، عبر القناصل والبعثات التبشيرية والعلمية.


وكان من نتيجة ذلك، أن اكتشفت مدينة أوغاريت عام 1929، على يد الفرنسيين. وتبع ذلك الكشف عن مدينة ماري عام 1933، أيضاً على يد الفرنسيين. وبعد استقلال سورية، تمّ التنقيب من قبل الغربيين اعتماداً على اتفاقيات وعلاقات علمية ثقافية، مع الدول المعنية وباشراف الدولة السورية لهذا فقد كان طبيعياً أن يتم اكتشاف مدينة ايبلا، على يد البعثة الإيطالية، ولكن أصبحنا الآن أمام معيار جديد في مجال الكتابات المسمارية والدراسات اللغوية، والحقيقة أن هذا المعيار بقدر ما يعبّر عن الجهود الكبيرة والنزيهة، التي قام بها المستشرقون وقارئو الرقم، واللغات القديمة، الاّ أن ما يحزّ في نفس كل مهتم، أنه لم يتم إلى الآن ربط تراثنا الكتابي واللغوي القديم، باللغة العربية عبر منهج علمي رصين، ودراسات محكمّة. وبقيت معظم الجهود عبارة عن جهود فردية (24)، بعضها يصيب وبعضها يخطئ، وبعضها يبعث على الاختلاف بين الباحثين العرب. وكل هذا يعود إلى عدم وجود مؤسسة تعنى بالدراسات اللغوية، تضم جهود الباحثين واختلافاتهم تحت سقف الحقيقة العلمية.


وبرأينا أن خطورة هذا الأمر تتعدى الشأن العلمي، إلى الشأن الصراعي مع الحركة الصهيونية ووليدها الكيان الاسرائيلي. وكذلك عبر تجيير هذه الحركة لأبواق «علمية» غربية، استطاعت شراء ضمائرها خدمة أطروحات اسرائيل المزيفة، وسعياً منها لايجاد مبرر تاريخي، لوجودها في المنطقة العربية (25).


ولعلنا لو تابعنا هذا الأمر، الخطير عبر مايقوم به بعض المستشرقين ودارسي لغاتنا القديمة من محاولات بعضها مقصود وبعضها الآخر غير مقصود، لكنه يصب في المحصلة في مناحي سلبية، نحن في غنى عنها وتحتّم بالتالي التفكير الجدي بانشاء معهد أو مركز يعنى بالدراسات المسمارية واللغوية للمشرق العربي القديم.


الاستشراق في دائرة الاتهام:


لعلنا نتفق على أن ليس كل استشراق، اشراقاً بالنسبة لنا. وما قام به الغربيون من كشف ومسح وتنقيب، لم تكن غايته بحال من الأحوال سوى ارضاء نزعاتهم العلمية والبحثية، بغض النظر عن موقف أصحاب العلاقة /نحن/ مما يقومون به. /ولاسيما قبل الاستقلال/.


بناء على كل هذا، فقد أصبح ما يطلق عليه «علم الأكاديات»، احتكار غربي وأميركي.


فلو أن الصلة الواضحة والقائمة، بين لغاتنا أو لهجاتنا القديمة، والغة العربية، تحتم البحث عن منهج علمي، يربط بين ماضينا الكتابي واللغوي وحاضرنا ذو الصلة، غير أن هذا لن يحصل مادام ليس باستطاعتنا، الوصول إلى لغة ايبلا الاّ عبر القاموس الايطالي، وكذلك بالنسبة للأكادية التي تحتاج للقاموس الألماني، والانكليزي، ولغة أوغاريت التي تحتاج للقاموس الفرنسي وربما الألماني. وهكذا دواليك.. وبمعنى آخر، نحن أمام نهج تفكيكي لغوي، فرضته طبيعة العمل الأثري، عبر اختلاف جنسيات ولغات البعثات الأجنبية العاملة، ما أدى إلى تشتت الجهود واختلاف مدارسها.


يقول د. فيصل عبد اللــه:


«لم يكن في نية علماء التاريخ القديم في الغرب، في أي وقت أن يقيموا الصلة بين إنسان الأمس الذي كتب بتلك الكتابات السحرية وأبدع تلك الحضارة التي باتت من الجذور الأقدم للحضارة الإنسانية، وبين إنسان اليوم الذي يعيش بلا انقطاع في تلك المنطقة ويتحدث بلغة مفتاح لها.. ولم يجد هؤلاء العلماء من مصلحتهم القومية ولا الشخصية «العلمية»، نسبة القول أن فضل قيام الحضارة القديمة يعود لأسلاف عرب اليوم وحضارتهم ولغتهم، انهم يتجاهلون ذكر العرب والعربية، واستمرارية الحضارات القديمة في العربية وحضارتها» (26)


وعطفاً على هذا، يقول د. علي أبو عساف:


«ان معظم العلماء (الغربيين) المهتمين بدراسات لغاتنا القديمة، قللوا من استشهادهم بمفردات اللغة العربية، وقواعدها حين يدرسون نصاً من لغاتنا القديمة واكتفوا في غالب الأحيان بايراد مرادفات عربية للكلمات الواضحة المعنى، وتجنبوا نهائياً مقارنة أي كلمة ذات معنى غامض، كما هو الحال بالنسبة للأوغاريتية مع الكلمات العربية، ومرد ذلك برأيي، صعوبة الإمساك بمفردات اللغة العربية وقواعدها من قبلهم».(27)


ونعتقد أن د. أحمد هبو، لامس أسباب الصعوبة التي يعانيها العلماء الأجانب في استيعاب اللغة العربية فيقول:


«إننا لانجد صعوبة ما في قراءة كتاباتنا «العربيةالقديمة»، الاّ أن الغربي لايستطيع فهم ذلك لأنه اعتاد قراءة كتاباته التي تشتمل على الحروف الصامتة والصائتة معاً، وهي كتابات كاملة حقاً لاتدع مجالاً لامكانات مختلفة للقراءة كما يحدث في كتابتنا العربية». (28)


بناءً على كل هذا أصبحنا أمام حالة شيه قطيعة بين موروثنا الكتابي ـــ اللغوي وبين لغتنا العربية،


فالذي درس كتاباتنا القديمة ولهجاتها من الغربيين، بعيد لجهة الذهنية والألسنية عن اللغة العربية، ويبدوأن الغربيين استمرأوا هذا الأمر فكرسوه، كنوع من الجشع والأنانية العلمية.


اذن نحن مطالبون في مجال كتاباتنا ولغاتنا القديمة، بمهمات عدة:


أولها: ترجمة ونقل المجلدات التي تشمل محتويات الرقم المسمارية السورية، إلى اللغة العربية. فمحفوظات ماري أصدرها الفرنسيون بما يفوق 40 مجلداً، وتحمل اسم محفوظات ماري الملكية.


أما محفوظات ايبلا فقد أصدر الايطاليون حوالي 15 مجلداً، بالاضافة إلى ما تصدره جامعة نابولي.


وكذلك أصدر الفرنسيون ترجمة للرقم الأوغاريتية في مجلدات كثيرة إلى اللغة الفرنسية. بالاضافة إلى ما ترجم من رقم المواقع السورية الأخرى كتل البيدر وشوباط انليل وابن هانئ وغيرها..


ثانيها: السعي لانشاء منهج لدراسة الكتابات المسمارية، ولغاتها في ضوء اللغة العربية.


ويبدو أن هذا الأمر يحتاج إلى جهود متواصلة ومخلصة، لأن ثمة خلافات كبيرة بين الباحثين، هذا من جهة، ولأن المدارس الغربية في قراءة لغاتنا القديمة، تختلف في مناهج بحثها.


ثالثها: العمل على انشاء كوادر وخبرات سورية في هذا المجال، لأن هناك شح في أعداد الباحثين. بالاضافة إلى ندرة الخبراء في مجال ترميم الرقم.


رابعها: محاولة اعادة قراءة وتدقيق ماترجم من الرقم، من قبل المستشرقين بعد أن بينّا عدم استطاعتهم، الاحاطة بمثل هذا العمل بشكل كامل لاختلاف الذهنية واللغة. وعدم اعتمادهم على اللغة العربية كمفتاح لفهم لغاتنا القديمة. بالاضافة إلى صعوبة فهم اللغة العربية من قبلهم.


خامسها: السعي لانشاء معاهد /تتبع للجامعة/ لتعليم لغاتنا القديمة، من أكادية وايبلاوية ومارية وأوغاريتية وآرامية وغيرها..


ان تحقيق هذه المهمات يعيد منجزنا الحضاري الينا، وبهذا نكون قد ربطنا لساننا العربي بنواته الأولى أو جذره الأول دونما تحريف أو مغالطات أو حتى محاولات تزوير، ولاسيما ماتحاوله الدوائر الصهيونية، في الآثار والتاريخ والمدرسة التوراتية في قراءة التاريخ. وهذا ما سنناقشه في فقرتنا التالية.


الـمدرسة التوراتية في الآثار والتاريخ وتراثنا الكتابي واللغوي:


شكّل يوم 3/12/1872 مفصلاً هاماً، في اسقاط النظرية التوراتية في قراءة تاريخ منطقة المشرق العربي فحتى ذلك التاريخ، كان كتاب التوراة يعتبر المرجع الأساسي والوحيد في قراءة تاريخ المشرق العربي القديم الذي يمتد لما وراء القرن السادس قبل الميلاد.


ولكن في ذلك اليوم يقف جورج سميث أمام جمعية الآثار التوراتية في لندن، ليعلن عن اكتشاف ألواح فخارية /رقم/ في مدينة نينوى تحتوي على تاريخ مشابه لأدق التفاصيل لرواية الطوفان التي وردت في التوراة /سفر التكوين/. بما يعني أن التوراة استوحى هذه الرواية، من الوثائق المسمارية المشرقية.


ونتيجة ذلك يعلن سميث «أن التوراة لم يعد هذا الكتاب الذي يختلف عن بقية الكتب.. وليس الكتاب الذي أملاه اللــه أو كتبه بنفسه» (29).


وهذا ما أعاد التوراة إلى مجرد كتاب حكايات وروايات، وليس كتاباً تاريخياً.


والذي جرى آنذاك، أن إعلان سميث هذا لم يمر مرور الكرام، فقد أثيرت حوله الاحتجاجات، وقامت عاصفة من الاستنكار أثارها رجالات انكلترا الفيكتورية، والتي كانت التوراة بالنسبة لهم «كتاباً مقدساً منزلاً من السماء».


وهذا ما يعالجه المؤرخ زينون كاسيدوفسكي بقوله:


«لم يكن في مقدورهم تصديق أن قصة نوح هي مجرد أسطورة اقتبست من الرافدين». (30)


ثم تكرّ السبحة، ولتكشف وثائق أوغاريت عن سرقات كاتب التوراة /عزرا وزرو بابل/ للكثير من التراث المشرقي القديم، بالإضافة لوثائق بابل وآشور وماري وايبلا.. الخ.


والذي يبدو أن ثمة خيطاً رفيعاً يصل بين من كتب التوراة /ومن خلفه من الأحبار/، وبين المدرسة التوراتية. وقد جهدت هذه المدرسة في محاولة تكريس التوراة ككتاب تاريخي، غير أن من أحبط نواياها، هو وثائقنا المسمارية وكتابات أجدادنا الأولى. ونتيجة ذلك تم تعرية التوراة ولاسيما في أسفاره الخمسة الأولى بما حوته من انتحال وتحريف وتزوير، كشفته الحقائق العلمية والتاريخية والآثارية.


لكن كل هذا لم يجعل هذه المدرسة، تستكين أو تنسحب إلى قوقعتها وتحجّرها.. لابل أنها ومع كل كشف أثري جديد في المشرق العربي، يسّن أتباعها أقلامهم ليبدؤوا بأكاذيبهم وافتراءاتهم وادعاءاتهم، في محاولة منهم لإيجاد مبرر تاريخي ـــ أثري، يبرر اغتصاب فلسطين، وتطلعاتهم نحو«أرض ميعادهم التوراتية» والممتدة من الفرات إلى النيل. ومع كل أساليبهم لم يجدوا /ولن يجدوا/ أي أثر يهودي يدل على وجود ما في المشرق العربي القديم (31)، ولهذا أسبابه التي منها:


إن الإسرائيليين القدماء والذين طرأوا على فلسطين، كانوا عبارة عن قبائل بدوية صغيرة، أقامت على هامش الوجود الكنعاني الكبير والحضاري. وجرى في التوراة تضخيم وجودهم وأعدادهم. وبمعنى آخر أن ثقافتهم البدوية الأولية والفقيرة بالغنى الحضاري جعلتهم عالة على المجتمعات الكنعانية، بالإضافة إلى بعدهم الحضاري الثقافي عن العمران والتمدن، وما خرافة هيكل سليمان، سوى بدعة لا معنى لها يتم التحدث عنها كتعويض عن دونيتهم الحضارية من جهة، وعن بعد استيطاني توسعي. وطالما أن موضوعنا يتعلق بالكتابات المشرقية القديمة، فلا بد أن نذكر أن الإسرائيليين القدماء /ولغياب الأساس الحضاري عندهم/ تكلموا /شفة كنعان/ وهذا ما جاء في توراتهم هم!. والحقيقة أن اللغة التي كانوا يتكلمونها آنذاك هي مزيج من الكنعانية القديمة مع الآرامية الأولى، إضافة إلى لهجة فلسطينية محلية. (32)


كما أن اليهود الحاليين الذين احتلوا فلسطين ومن ثم المستوطنين، لارابط أثني يربطهم مع اليهود القدماء، فهؤلاء الآن ليسوا سوى شراذم من شعوب كالخزر وغيرهم.


ولنعد الآن إلى ممارسات المدرسة التوراتية ومحاولاتها في تزييف الحقائق العلمية والتاريخية، وبداءة، سوف نحاول رصد المراكز التوراتية في التاريخ، والتي ما تزال تقوم بمهامها!! رغم الفشل الذريع الذي حققته، والذي أكدته عدة حقائق:


أولها: أن هذه المدرسة في قراءة التاريخ، قد ثبت بطلان اطروحاتها التي تجافي العلم والحقائق التاريخية، وبالتالي لم يعد ثمة مسوغ للأخذ بطروحاتها. وهذا ما أدى لاعتبار التوراة مجرد كتاب قصصي لا علاقة له بتاريخ المنطقة العربية. وأضحت وثائق الشرق العربي القديم، بغناها وشموليتها هي المعبرّ عن مجريات حركة التاريخ والمجتمعات في العالم القديم.


ثانيها: أن الوثائق المسمارية أسهمت في فرز مواقف المستشرقين، ودارسي تاريخ المشرق القديم، طالما أنها أظهرت، مدى الانتحال والتزوير الذي مارسه كاتب التوراة ومن معه، والغريب أنه إلى الآن تجري محاولات تزوير لكل قاموس أو كتاب ذي ميول توراتية، يمكن أن يحوي على«هفوة» أو معلومة، لايريدها العلماء التوراتيون.


الـمراكز التوراتية في التاريخ والآثار:


كما كان للحركة الصهيونية، خططها ومؤامراتها الاغتصابية والسياسية والمالية والإرهابية، فقد انسحبت ذهنيتها هذه، على تراث المشرق العربي القديم. خصوصاً باستنادها على الركيزة التوراتية الميعادية (أرض اليعاد)، مما جعلها تحاول المرة تلو الأخرى، تشويه الحقائق التاريخية والآثارية، من أجل ايجاد مبرر تاريخي لاغتصابها الأرض العربية. ولا بأس من ذكر بعض المعاهد والدوائر الأثرية والتاريخية التوراتية، التي ساهمت وما تزال في محاولاتها تلك:


1- American Palestine exploration society.


ويعود تأسيسه إلى عام 1870


2- American school of oriental researches.


ويعود تأسيسه إلى عام 1900


3- Ecole pratique d,etudes bibliques.


ويعود تأسيسها إلى عام 1892


4- Deutsch evangelische institut fur altertum wissenscheft des heigen landes.


ويعود تأسيسها إلى عام 1902


5- The british school of archaeology jerusalem.


1919 . (33)


والذي يـــلاحظ في هذا المجال، هو قدم زمن تأسيس هذه المعاهد والمراكز، بما يوحي بتلازم تأسيسها مع مجيء البعثات التبشيرية إلى منطقة المشرق العربي، واهتمام الغرب بهذه المنطقة، كمشروع استعماري.


وكذلك استطاعة الحركة الصهيونية، من شمول دوائرها الأثرية، على لغات العالم الأساسية، الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية.


وباستعراض لنشاطات هذه المراكز، يمكننا تحديد أساسيات مهامها:


فحين تم اكتشاف نينوى، في القرن التاسع عشر، انصب جهد التوراتيين الآثاريين في البحث عن آثار يونس التوراتي.


وعندما كشف في نفس الموقع، عن نص مسماري يروي قصة الطوفان، تم تجنيد حملة من الدوائر إياها، وبدعم صهيوني. لإثبات مالا يثبت.


وعندما أعلن رولنصون أنه قرأ في أحد النقوش الآشورية، خبراً عن حصار أورشليم من قبل سنحاريب الآشوري، انهالت الاستفسارات والاستيضاحات من كل حدب وصوب.


ويتم اكتشاف مدينة أوغاريت ومحفوظاتها، فتبدأ التقارير والدراسات التي تتحدث عن التشابه الكبير والمذهل بين نصوصها ونصوص التوراة. وتبين فيما بعد أن التوراة أصبحت مكشوفة أكثر لجهة السرقات من التراث المشرقي.


ومع اكتشاف ماري، هاج أتباع المدرسة التوراتية، فقد أدى ظهور أسماء أشخاص وقبائل في وثائق ماري، إلى محاولات ميؤوس منها من أجل إعادة رسم الطريق الذي عبره ابراهيم الخليل، في ضوء المعطيات التوراتية.


وجاء اكتشاف ايبلا، وهنا تكشفت الأقنعة بشكل سافر من قبل هذه المدرسة. وتبين أن ثمة لغويين غربيين يعملون عندنا، هم من ركائز المدرسة التوراتية. وهذا ما تبدى حين أعلن «جيوفاني بيتيناتو» قارئ رقم ايبلا، أنه ورد في نصوص ايبلا أسماء خمس مدن، وردت في التوراة وهي: مجيدو، شكيم، غزة، سودوم، عمورة.!!؟. ولكن بعد قراءة الرقم من قبل لجنة دولية متخصصة، تبين أن بيتيناتو، جافى الحقائق العلمية واللغوية لصالح بعد سياسي صهيوني. والمضحك في الأمر أن ما فسره ذلك العالم؟ لم يتعد أن يكون ذكر لسبائك معدنية!!؟. (34)


فهل يضيع على العالم تمييز أسماء المدن عن السبائك المعدنية؟.


طبعاً، لم تيأس تلك الدوائر في محاولاتها، لابل تسعى إلى تجييش وسائل الإعلام الغربية، في حملتها، حيث تظهر في التايمز اللندنية في 18/10/1976، وفي نيويورك تايمز، مقالات تتحدث عن احتمال أن تكون ايبلا هي القدس بالذات.!!؟.(35)


ثم تجند هذه الدوائر صحافيين، لنشر كتاب أسموه «ايبلا ثورة في عالم الآثار»، حيث تحدثا من خلاله، أن اللغة الايبلاوية هي لغة عبرية!!؟. وأن تاريخ ايبلا توراتي!! ثم توصلا في ادعائهما إلى القول أن اللغة الايبلاوية قريبة من العبرية ولايمكن أن تكون جدّة اللغة العربية!!؟. (36)


أيضاً، يمكننا ملاحظة كيف تعمد هذه الدوائر للتلاعب بما وقع من هفوات لدى كاتبي التوراة، فتحاول إصلاحها بما يلائم غاياتها ومؤامراتها، فقد لاحظت هذه الدوائر أن سفر اشعيا في التوراة يحوي في إصحاحه 19، الفقرة18، قولاً: تكلمت شفة كنعان، وهذا يثبت أن اليهود آنذاك قد تكلموا اللغة الكنعانية، وهذا لم يناسب المدرسة التوراتية الأثرية فأوعزت لتغيير هذه الجملة، لهذا تصدر طبعة جديدة للتوراة عن جمعية التوراة الأميركية في نيويورك بتاريخ 1976 سوف تقلب الجملة إلى «تكلمت اللغة العبرية»!! (37).


ويورد د. محمد بهجت قبيسي في كتابه الهام «فقه اللهجات العربيات»، شواهد لأضاليل هذه الدوائر، حيث يذكر أن العالم درايفر المهتم باللغة«العبرية» والآراميات، صادر قاموس جيزينيوس والمسمى، القاموس العبري ـــ الكلداني، وحوله إلى قاموس جديد تحت عنوان: القاموس العبري ـــ الانكليزي للتوراة حيث أسقط اسم الكلداني!!. ويذكر الباحث قبيسي أن درايفر عمد إلى الغاء أكثر الكلمات العربية العدنانية الواردة في النص الأصلي.


وفي دراسته للمعجم الأوغاريتي الذي وضعه جوردون، لاحظ قبيسي أن المؤلف يريد أن يقول أن أكثر الاسماء الشخصية وأسماء الأماكن والأسماء الكهنوتية، هي توراتية!! وقد بلغ تعداد هذه الكلمات، 2975 كلمة. ويصل الدكتور قبيسي للقول: ان النصوص الأوغاريتية ام تقرأ بعد بصورة صحيحة، رغم أن هذه الكلمات التي ردها جوردون إلى التوراة، ماهي في الحقيقة الا كلمات تمتُّ في 94.81% إلى اللهجة العربية العدنانية. (38)


ولعل هذا غيض من فيض بما تقوم به دوائر التوراة الأثرية والتاريخية. عبر خطة منظمة، ومحكمة، تؤدي إلى مزيد من التهويد للذهنية الغربية من جهة، والى محاولات يائسة وغير مجدية لمصادرة تراثنا الكتابي واللغوي حسب غاياتها وأهدافها السياسية التوسعية.


ويبدو أن المستشرقين الموضوعيين، استطاعوا أن يكشفوا ألاعيب وعدم علمية هذه الدوائر(39)، لهذا ونتيجة لكل ذلك يقول العالم لوريتس: لن يكون مستغرباً أن تعود الأشباح للظهور مجدداً (40). ويقصد أتباع المدرسة التوراتية.


كما تقول الباحثة الألمانية هيلغا زيدن: ان علم الآثار التوراتي سبّب الكثير من الدمار والضرر في دراسة تاريخ المنطقة العربية، وكل إسرائيل قائمة على التوراة، وهم يقولون لقد جئنا إلى فلسطين لأن التوراة قالت ذلك، وهذا برأيي غير ممكن ولايمكن القيام بذلك تحت أي ذريعة أو توهم أو احتمال.


وتتابع زيدن القول: مأساة الإسرائيليين تكمن، في رغبتهم بأن يبرهنوا حقائق حديثة تاريخية وسياسية عن طريق التوراة /كتاب قديم/ ولا أظن أن هذا ممكناً من منطلق العلم(41).


وأخيراً، في تاريخ البشرية اختراعان يشكلان منعطفاً هاماً في مساق الحضارة الإنسانية وتطورها


الأول: اختراع الكتابة وتالياً الأبجدية.


والثاني: المعلوماتية والتي تعتبر الابن الشرعي للاختراع الأول. وعليه، فهل نولي تراثنا الكتابي واللغوي مايستحقه، من الاهتمام عبر انشاء مركز يعنى بدراسة كتاباتنا القديمة ولهجاتها، كي نحقق أهم ترابط علمي تاريخي، عنيت، اللغة العربية التي جبّت كل لهجاتنا القديمة.








الهوامش


(1) والتر. ج. أونج. الشفاهية والكتابية. عالم المعرفة. العدد 182 ـــ 1994


(2) ثمة تداخل تاريخي ـــ اجتماعي، أكدته المعطيات الأثرية، ووثائق العصور التاريخية، بين الجناح الشرقي للمشرق العربي /الرافدين/، والجناح الغربي /بلاد الشام/. ويتبدى هذا التداخل بالتفاعل الديموغرافي الاجتماعي، بين أرومات المشرق القديم، الأكادية ـــ العمورية ـــ البابلية ـــ الآشورية ـــ الكنعانية ـــ الآرامية.. الخ. وهذا ما يتوضح في حركة التاريخ آنذاك، في زمن صارغون الأكادي، وحمورابي، وشمشي أدد.. وفي معظم الظواهر المعمارية ـــ المعتقدية. والفنية حيث نلاحظ أننا أمام وحدة حياة اجتماعية ـــ اقتصادية واحدة، تفاعلت مع محيطها الطبيعي والحيوي، ان كان مع مصر أو الجزيرة العربية من جهة، ومع ايران والأناضول من جهة أخرى مع ملاحظة، الامتداد الكنعاني بما يتجاوز المدى الحيوي، كنتيجة طبيعية للوجه البحري للفاعلية الكنعانية الساحلية. وبالنسبة لموضوع بحثنا، فلا بد من التأكيد على دور المرجل الحضاري الأوغاريتي الكتابي، والذي استفاد من المعطيات الكتابية الهيروغليفية والمسمارية، لينبثق بابتكار الأبجدية.


(3) الجديد حول الشرق القديم. مجموعة باحثين. دار التقدم. موسكو. 1988


(4) le point. danielle stordeur 7/12/1996.


(5) en syrie aux origines de l,ecriture 1997 brepols


(6) د. علي أبو عساف. آثار الممالك القديمة في سورية. وزارة الثقافة. دمشق. 1988


(7) د. عيد مرعي. ايبلا. دار الأبجدية. دمشق. 1996


(Cool د. فيصل عبد الله. د. عيد مرعي. د. محمود عبد الحميد. آثار الوطن العربي. جامعة دمشق.


(9) مجلة الفكر العربي. 52. د. نقولا زيادة. بيروت.


(10) د. أحمد هبو. الأبجدية. دار الحوار. الللاذقية. سورية. 1984


(11) المرجع السابق.


(12) مجلة المعرفة السورية. د. محمد حرب فرزات. العددان: 298 ـــ 299


(13) آرنولد توينبي. تاريخ البشرية. ج1. ت: نقولا زيادة. الدار الأهلية. بيروت. 1981


(14) المساهمة الفرنسية في دراسة الآثار السورية. ifapo 1989


(15) والتر أونج. مرجع سابق.


(16) راجع فقرة الدوائر الأثرية التوراتية، في سياق البحث.


(17) بامكان القارئ الرجوع إلى الكتب التالية للاستزادة: «فقه اللهجات العربيات» للدكتور محمد بهجت قبيسي. دار شمأل. دمشق. 1999. وكتاب الدكتور ألبير نقاش وحسني زينة والذي تحت عنوان «أخذة كش». عن دار المطبوعات. بيروت. 1989، وكتاب الدكتور علي أبو عساف «نصوص من أوغاريت»، وزارة الثقافة. سورية. 1988. وكتاب «مقدمة في علم الأكاديات» للدكتور فيصل عبد الله. دار الأبجدية. دمشق. 1990


(18) د. محمد بهجت قبيسي. مرجع سابق.


(19) د. علي أبو عساف. نصوص من أوغاريت. وزارة الثقافة. سورية. 1988


(20) الوحدة الحضارية للوطن العربي من خلال المكتشفات الأثرية. وزارة الثقافة. سورية. 2000


(21) د. فيصل عبد الله. مقدمة في علم الأكاديات. دار الأبجدية. دمشق. 1990


(22) د. عيد مرعي. مرجع سابق.


(23) د. نائل حنون. عقائد مابعد الموت في حضارة بلاد الرافدين القديمة. وزارة الثقافة. بغداد 1986


(24) هناك جهود فردية، قام بها بعض الباحثين العرب، مثل أنيس فريحة، ألبير نقاش وحسني زينة، عدنان أبو عساف، محمد بهجت قبيسي، طه باقر...الخ. ولكن هذه الجهود بقيت ضمن اطارها الفردي، ونحن نعتقد أن وجود مؤسسة تضم جهود الباحثين العرب، ولاسيما في بلدان المشرق العربي، المعني أكثر من غيره بمسألة الكتابة المسمارية، ومن ثم تضافر جهود الباحثين اللغويين، في ميدان العربيات، على صعيد العالم العربي، يمكن أن يؤدي كل ذلك إلى ايجاد قواعد انطلاق، في مجال الكتابة واللغويات، ما يضمن وباطراد بلورة منهج لدراسة الكتابات المشرقية القديمة والعربيات، بما يستتبع من انحسار للدور الاستشراقي في هذا المجال.


(25) راجع فقرة الدوائر الأثرية التوراتية.


(26) فيصل عبد الله. مرجع سابق.


(27) علي أبو عساف. مرجع سابق.


(28) أحمد هبو. مرجع سابق.


(29) جان بوتيرو. ولادة اله. التوراة والمؤرخ. ت: عبد الهادي عباس، جهاد هواش. دار الحصاد. دمشق. 1990


(30) زينون كاسيدوفسكي. الواقع والأسطورة في التوراة. ت: حسان اسحق. دار الأبجدية. 1990


(31) تذكر الباحثة الألمانية هيلغا زيدن أن الإسرائيليين حين ينقبون، في فلسطين فإنهم يرمون كل ما يظهر، من آثار إسلامية في البحر، وحين عثروا على لقى أثرية بشكل منحوتات للثور الكنعاني، والذي عثر على الآلاف منه بمواقع سورية، قالوا أنهم عثروا على الثور الذهبي الوارد ذكره في التوراة..!! وتضيف الباحثة، الحقيقة العلمية تؤكد أن هذا الثور كنعاتي، عثر عليه في مواقع كنعانية كثيرة. مجلة البناء اللبنانية. العدد. 762 ـــ 17/11/1990


(32) الوحدة الحضارية للوطن العربي القديم. مرجع سابق.


(33) مجلة الفكر العربي. مرجع سابق.


(34) للاستزادة، يمكن الرجوع إلى كتاب«وثائق ايبلا». عفيف بهنسي. وزارة الثقافة. دمشق. 1984. وكتاب «ايبلا» لمجموعة باحثين. ت: قاسم طوير. 1984. وكتاب «ايبلا منعطف التاريخ». د. عمر الدقاق. وزارة الثقافة. دمشق. 1979.


(35) د. عفيف بهنسي. مرجع سابق.


(36) المرجع السابق.


(37) د. محمد محفل. من حوارات أجريناها معه، ونشرت متسلسلة في صحيفة الديار اللبنانية. 22/4/1991 ـــ 23/4/1991.


(38) د. قبيسي. مرجع سابق.


(39) بغية الاستزادة، يمكن الرجوع إلى كتاب توماس طومسون «التاريخ القديم للشعب الاسرائيلي». ت: صالح سوداح. دار بيسان. بيروت. 1995. وكتاب فريدريك ديليتش. «بابل والكتاب المقدس» ت: ايرينا داود. دار العربي. دمشق. 1987. وكتاب جان بوتيرو (مذكور في قائمة المراجع) وكتاب زينون كاسيدوفسكي (وهو أيضاً مذكور في قائمة المراجع). وكتاب كيث وايتلام «اختلاق اسرائيل القديمة». عالم المعرفة. الكويت. 249 ـــ 1999. ت: سحر الهنيدي.


(40) سورية وأصل الحضارة. دار بريبولس. 1997


(41) هيلغا زيدن. مرجع سابق.
值塉䕔彌䵍彉
محمد مرجى حريري
محمد مرجى حريري
Admin

عدد المساهمات : 23
تاريخ التسجيل : 25/11/2010
العمر : 47
الموقع : https://samiat.rigala.net

https://samiat.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى